سورة الأحقاف - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحقاف)


        


{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5)}
{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُواْ مِن دُونِ الله مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ} إنكار لأن يكون أضل من المشركين، وذكر بعض الفضلاء أن المراد نفي أن يكون أحد يساويهم في الضلالة وإن كان سبك التركيب لنفي الأضل، وقد مر ما يتعلق بذلك فتذكر أي هو أضل من كل ضال حيث ترك دعاء المجيب القادر المستجمع لجميع صفات الكل كما يشعر بذلك الاسم الجليل ودعا من ليس شأنه الاستجابة له وإسعافه طلوبه {إلى يَوْمِ القيامة} أي ما دامت الدنيا، وظاهره أنه بعدها تقع الاستجابة وليس راد لتحقق ما يدل على خلافه، فهذه الغاية على ما في الانتصاف من الغايات المشعرة بأن ما بعدها وإن وافق ما قبلها إلا أنه أزيد منه زيادة بينة تلحقه بالمباين حتى كأن الحالتين وإن كانتا نوعًا واحدًا لتفاوت ما بينهما كالشيء وضده، وذلك أن الحالة الأولى التي جعلت غايتها القيامة لا تزيد على عدم الاستجابة، والحالة الثانية التي في القيامة زادت على عدم الاستجابة بالعداوة وبالكفر بعبادتهم إياهم كما ينطق به ما بعد فهو من وادي قوله تعالى: في سورة [الزخرف: 29] {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاَء وَءابَاءهُمْ} الآية، ونحوه قوله سبحانه في إبليس: {إِنْ عَلَيْكَ لَعْنَتِى إلى يَوْمِ الدين} [ص: 78] وقد يقال: المراد بهذه الغاية التأبيد كما قيل في قوله تعالى: {خالدين فِيهَا مَا دَامَتِ السموات} [هود: 107] وقولهم: ما دام ثبير، وقال بعضهم: لا إشكال في الآية لأن الغاية مفهوم فلا تعارض المنطوق، وفيه بحث، ففي الدرر والينبوع عن البديع أن الغاية عندنا من قبيل إشارة النص لا المفهوم.
وقال الزركشي في شرح جمع الجوامع: ذهب القاضي أبو بكر إلى أن الحكم في الغاية منطوق وادعى أن أهل اللغة صرحوا بأن تعليق الحكم بالغاية موضوع على أن ما بعدها خلاف ما قبلها لأنهم اتفقوا على أنها ليست كلامًا مستقلًا فإن قوله تعالى: {حتى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة؛ 230] وقوله سبحانه: {حتى يَطْهُرْنَ} [البقرة: 222] لابد فيه من إضمار لضرورة تتميم الكلام؛ وذلك أن المضمر إما ضد ما قبله أولًا والثاني باطل لأنه ليس في الكلام ما يدل عليه فيقدر حتى يطهرن فاقربوهن، حتى تنكح زوجًا غيره فتحل، قال: والمضمر نزلة الملفوظ فإنه إنما يضمر لسبقه إلى ذهن العارف باللسان، وعليه جرى صاحب البديع من الحنفية فقال: هو عندنا من دلالة الإشارة لا من المفهوم، لكن الجمهور على أنه مفهوم ومنعوا وضع اللغة لذلك انتهى، ويعلم من هذا أن قوله في التلويح: إن مفهوم الغاية متفق عليه لا يخلو من الخلل {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ} الضمير الأول: لمفعول {يَدْعُواْ} أعني {مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ} والثاني: لفاعله، والجمع فيهما باعتبار معنى {مِنْ} كما أن الإفراد فيما سبق باعتبار لفظها أي والذين يدعون من لا يستجيبون لهم عن دعائهم إياهم {غافلون} لا يسمعون ولا يدرون، أما إن كان المدعو جمادًا فظاهر، وأما إن كان من ذوي العقول فإن كان من المقبولين المقربين عند الله تعالى فلاشتغاله عن ذلك بما هو فيه من الخير أو كونه في محل ليس من شأن الذي فيه أن يسمع دعاء الداعي للبعد كعيسى عليه الصلاة والسلام اليوم أو لأن الله تعالى يصون سمعه عن سماع ذلك لأنه لكونه مما لا يرضي الله تعالى يؤلمه لو سمعه، وإن كان من أعداء الله تعالى كشياطين الجن والإنس الذين عبدوا من دون الله تعالى فإن كان ميتًا فلاشتغاله بما هو فيه من الشر، وقيل: لأن الميت ليس من شأنه السماع ولا يتحقق منه سماع إلا معجزة كسماع أهل القليب، وفي هذا كلام تقدم بعضه؛ وإن كان حيًا فإن كان بعيدًا مثلًا فالأمر ظاهر، وإن كان قريبًا سليم الحاسة فقيل: الكلام بالنسبة إليه بعد تأويل الغفلة بعدم السماع وعلى التغليب لندرة هذا الصنف.
ومن الناس من أول الغفلة بعدم الفائدة وتعقب بأنه حينئذٍ لا يكون لوصفهم بالغفلة بعد وصفهم بعدم الاستجابة كثير فائدة، واعتبر بعضهم التغليب من غير تأويل عنى أنه غلب من يتصور منه الغفلة حقيقة على غيره، وهذا كالتغليب في التعبير عن تلك الآلهة بما هو موضوع لأن يستعمل في العقلاء، وإن كانت الآية في عبدة الأصنام ونحوها مما لا يعقل تجوز في الغفلة وكان التعبير بما هو للعاقل لإجراء العبدة إياها مجرى العقلاء.
وقال بعضهم: على جعلها في عبدة الأصنام. إن وصفها بما ذكر من ترك الاستجابة والغفلة مع ظهور حالها للتهكم بها فتدبر ولا تغفل.


{وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ (6)}
{وَإِذَا حُشِرَ الناس} عند قيام القيامة {كَانُواْ} أي المعبودون {لَهُمْ} أي العابدين {أَعْدَاء} شديدي العداوة {وَكَانُواْ} أي المعبودون أيضًا {بِعِبَادَتِهِمْ} أي بعبادة الكفرة إياهم {كافرين} مكذبين، والأمر ظاهر في ذوي العقول. وأما في الأصنام فقد روي أن الله تعالى يخلق لها إدراكًا وينطقها فتتبرأ عن عبادتهم وكذا تكون أعداء لهم، وجوز كون تكذيب الأصنام بلسان الحال لظهور أنهم لا يصلحون للعبادة وأنهم لا نفع لهم كما توهموه أولًا حيث قالوا: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى الله} [الزمر: 3] ورجوا الشفاعة منهم. وفسرت العداوة بالضر على أنها مجاز مرسل عنه فمعنى {كَانُواْ لَهُمْ أَعْدَاء} كانوا لهم ضارين، وما ذكرناه في بيان الضمائر هو الظاهر، وقيل: ضمير {هُمْ} المرفوع البارز والمستتر في قوله تعالى: {وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غافلون} [الأحقاف: 5] للكفرة الداعين وضمير {دُعَائِهِمْ} لهم أو للمعبودين، والمعنى أن الكفار عن ضلالهم بأنهم يدعون من لا يستجيب لهم غافلون لا يتأملون ما عليهم في ذلك، وفيه من ارتكاب خلاف الظاهر ما فيه، وفي الضمائر بعد نحو ذلك، والمعنى إذا حشر الناس كان الكفار أعداء لآلهتهم الباطلة لما يرون من ترتب العذاب على عبادتهم إياها وكانوا لذلك منكرين أنهم عبدوا غير الله تعالى كما حكى الله تعالى عنهم أنهم يقولون: {والله رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: 23] وتعقب بأن السياق لبيان حال الآلهة معهم لا عكسه، ولأن كفرهم حينئذٍ إنكار لعبادتهم وتسميته كفرًا خلاف الظاهر.


{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (7)}
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ ءاياتنا بَيّنَاتٍ} أي واضحات أو مبينات ما يلزم بيانه {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقّ} أي الآيات المتلوة، ووضع موضع ضميرها تنصيصًا على حقيتها ووجوب الإيمان بها كما وضع الموصول موضع ضمير المتلو عليهم تسجيلًا عليهم بكمال الكفر والضلالة.
وجوز كون المراد بالحق النبوة أو الإسلام فليس فيه موضوعًا موضع الضمير، والأول: أظهر، واللام متعلقة بقال على أنها لام العلة أي قالوا لأجل الحق وفي شأنه وما يقال في شأن شيء مسوق لأجله، وجوز تعلقه بكفروا على أنه عنى الباء أو حمل الكفر على نقيضه وهو الإيمان فإنه يتعدى باللام نحو {أَنُؤْمِنُ لَكَ} [الشعراء: 111] وهو خلاف الظاهر كما لا يخفى {لَمَّا جَاءهُمْ} أي في وقت مجيئه إياهم، ويفهم منه في العرف المبادرة وتستلزم عدم التأمل والتدبر فكأنه قيل: بادروا أول سماع الحق من غير تأمل إلى أن قالوا: {هذا عَدُوٌّ مُّبِينٌ} أي ظاهر كونه سحرًا، وحكمهم بذلك على الآيات لعجزهم عن الإتيان ثلها، وعلى النبوة لما معها من الخارق للعادة، وعلى الإسلام لتفريقه بين المرء وزوجه وولده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8